هذه الصورة وأمثالها إذا رآها أي ملحد فسيتبادر لذهنه سؤال واحد يعتقد من خلاله أنه سينسف كل أديان الأرض وأنه بذلك حقق انتصارا عظيما لإلحاده وصنف بعد هذا عبقري زمانه ومبدع عصره، فيقول :"أين الله من كل هذا ؟ لا شك أن الله غير موجود ولو كان كذلك لأمر له برزقه"
إن الملحد بهذا المنطق العبقري ، جد عبقري ، يريد أن يصل إلى حقيقة لطالما تكلم فيها الفلاسفة في مجلدات وأفرد لها العلماء كتب ومقالات وهي قضية وجود الله جل في علاه.
فيأتي الملحد ويطرح هذا السؤال طرح الواثق المتأكد الذي حسب أنه حاز الحقيقة المطلقة وأصاب كبد الأمر فلم يخالف الصواب.
لكن مهلا سيادة الملحد ، إني أحيلك إلى عقلك ، إن هذا المنطق الذي تطرحه هو منطق المتكاسل الذي يريد أن تتحقق له الأمور بوصفة سحرية وهو لم يأخذ بالأسباب ولم يجد ولم يكل ليطلب مقصده ، إلا تعتقد بسؤالك هذا أنك غير منصف في طرحك ؟ لطالما تبجج الملحد أنه صديق للعلم والاجتهاد والبذل والعطاء وغيرها من هذه المصطلحات التي لم يعي أنه قد تخلى عنها في هذا السؤال الغريب.
إن ديننا يأمرنا أن نأخذ بالأسباب ونبذل ونعمل ، كما تدعي لنفسك ذلك ، لكن أين هذه الشعارات في طرحك هذا ؟ ألست صديقا للعمل والاجتهاد ؟ أم أنك تتخلى عنها في مثل هذه الحالات لتغالط وتدعي زورا وبهتانا أنك حزت الحقيقة في هذا السؤال ؟
إن حالك في هذا الموقف كحال فلاح له أرض يبلغ طولها مد بصرك فهي شاسعة المساحة متباعدة الأركان ، فما كان من هذا الفلاح إلا أن جلس طيلة أيام الشتاء والصيف لا يبذر ولا يزرع ولا يحصد ، حتى إذا بلغ منه الجوع مبلغه وكادت أمعاؤه تتقطع وزاغ بصره رفع يده إلى السماء
فقال : يارب ألا ترى حالي وما بلغ بي من ضر وعناء ؟ إنني أكاد اموت فأين أنت ؟
إن اهل الأرض قاطبة يجمعون على ان هذا الفلاح ماهو إلا مجرد مجنون إذ أنه فرط في العمل وجلس يعاتب ربه.
ونحن نقول له : ألا تعتقد أيها الفلاح أن الله تعالى رزقك العقل والقوة والوقت وغيرها من نعمه لتحرث الأرض وتعمل فيها وتجني من طيبات ثماراها فماوجدنا منك إلا التفريط في هذه النعم وتكاسلت وجلست تعاتب ربك ؟ إنما عليك الأخذ بالأسباب أولا لتجني من طيبات الأرض فهذه سنة الله تعالى وكما نعلم أن في عالمنا قوانين لا تتبدل وسنن لا تتغير فلا يجب مخالفتها بل علينا مراعاتها وتتبعها.
ثم لنسلم جدلا في هذا المنطق العجيب ونفترض أن كل انسان لا يبذل يأتيه رزقه بكرة وعشيا دون أن يبرح مكانه ، إن اتباع هذا المنطق الذي يراه الملحد "عدلا من الله" إنما هو أكبر ظلم يمكن أن يحصل ، فإننا إن قلنا بذلك تساوي بذلك الطبيب الذي قضى عمره في العمل والجد لسنوات وبين ذلك الكسول الذي لم يغادر فراشه طول حياته كسلا وتقاعسا منه فيكون الرزق قد حصل لهذا وحصل لذاك فيكونون سواءا فيه وهذا أعظم الظلم وأقساه ، ومن مغبة قولهم هذا أن يكون الانسان فاشلا في الحياة لا يعمل ليحصل منفعة ولا يقدم خيرا ولا ينتظر منه حسنة بل سيؤثر الانسان الراحة وتكون القاعدة التي أجمع عليها العقلاء (النعيم لا يدرك بالنعيم) ستتحول لـ(النعيم يدرك بالنعيم) فلن يؤثر القاعدة الأولى على الثانية أيا كان بل ستتوقف الحضارات ويعم الجهل سائر البلدان ويبقى الانسان متنقلا من ظلام إلى ظلام فلا يخرج من ليل دامس طوال حياته على هذه الأرض ، لقد تبينا أن السؤال طرح بطريقة خاطئة وسنضع في ما يلي تصويب هذا السؤال ليوافق الفكر السليم ، فكر المنطق السليم الذي يتبجج به الملحدون ، فكر العمل والتوكل لا فكر التواكل والتكاسل.
حسب إحصائيات (2001-2004) يموت كل عام من الجوع 36 مليون انسان. إن هذه الاحصائيات مخيفة وتدعوا إلى القلق الشديد ، فمالذي يجري في العالم ؟ وهل تعتقدون أن الله تعالى لم يرزقنا ما يكفينا في هذه الكرة الأرضية من طعام ؟
العالم ينفق كل دقيقة مليون وثلاثمئة ألف دولار في السلاح فقط في حين يموت في العام 63 مليون انسان من الجوع (1)انتاج غواصة نووية (توجد مئات الغواصات في العالم) جديدة يساوي ميزانية التعليم السنوي لحوالي 23 دولة نامية يوجد بها أكثر من 160 مليون طفل ، في حين يموت في العام 36 مليون انسان من الجوع ""2
يوجد في العالم قرابة 30.000 رأس نووي يمكنها أن تدمر أضعاف أضعاف مساحة كوكب الأرض، في حين يموت في العام 36 مليون انسان من الجوع
عدة بلدان متقدمة مثل أمريكا تدفع تعويضات للمزارعين للتوقف عن الانتاج في حين يموت في العام 36 مليون انسان من الجوع (3)
البلدان التي لها فائض زراعي وفلاحي لا تحتاجه تقوم باحراقه واتلافه في حين يموت في العام 36 مليون انسان من الجوع (4)
مهرجان الطماطم على سبيل :
قيمة تجارة المخدرات بلغت 322 مليار دولار سنويّاً في السنوات الأخيرة ولازالت في تصاعد مستمر في حين يموت في العام 36 مليون انسان من الجوع
وغيرها وغيرها وغيرها ... كثير ... من مظاهر الانحطاط الفكري الذي وصل إليه الإنسان، ثم ، وبكل وقاحة يقول : أين الله من هذا ؟ ... ألم أقف متعجبا حائرا في أول المقال من هذه العبقرية التي وصل إليها هؤلاء ؟ ... أيها الإنسان ، الله وفر لك الأسباب ، وأعطاك من نعمه الكثير ، ومنحك العقل لتفكر في ماهو أنفع لك فاختر بين الدمار وبين الطعام ، فلتختار بين الموت وبين الحياة ، لكنك خيرت أن تبذل نعمه في جلب الوبال للجنس البشري كله بهذه الأفعال
أيها الإنسان أنت هو المسؤول الأول و الأخير على ما يحدث في هذا العالم... السؤال الذي نبغي طرحه
أين الإنسان مما يحصل ؟ أين الإنسان من كل هذا ؟؟
المصدر
الرد الصارخ على الشبهات
هوامش
1 ، 2 ، 3 ،4 : من كتاب هل انتشر الإسلام بحد السيف، تجدونه هنا
ولتتعرفوا أيضا على ظلم الإنسان لنفسه اطلعوا على كتاب إفريقيا يراد لها ان تموت جوعا
قال الله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق